المسجد الأقصى الشريف
أولى القبلتين وثالث الحرمين
المسجد الأقصى في قلوب المسلمين:
لكل إنسان منا عاطفة مغروسة تدفعه إلى حب شيء ما في الحياة.. وكل إنسان يوزن بما ينعطف عليه قلبه من محبوبات، وبما ينطوي عنه قلبه من مكروهات.. ولقد أحب الله تعالى من خلقه أشياء وكرمها وشرفها، وأمرنا بتقديسها وتشريفها فقد أحب الله عباداً من خلقه وأمرنا بحبهم، فأحبّ الملائكة وأحب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. وأحبّ الله أزمانا وفضلها وأمرنا بحبها وتكريمها وتفضيلها.. فأحبّ رمضان وليلة القدر ويوم الجمعة.. وأحبّ الله تعالى أماكن دون غيرها وقدسها وأمرنا بتقديسها، فأحب مكة المكرمة وكعبتها الشريفة وأحب المدينة المنورة ومسجدها الشريف وقدسها، وأحب بيت المقدس ومسجده الأقصى وقدسهما.. ونحن نحب ونقدس ما أحبه الله وقدسه.. فهذه حكاية مكان مبارك أحبه الله تعالى وقدسه، وأحبه الأنبياء وقدسوه. ذلكم المكان المطهر هو المسجد الأقصى.. الذي بارك الله حوله،وجعل أرضه مهبط الرسالات ومهجر الرسل والأنبياء، ومهوى أفئدة وقلوب الأولياء الصالحين. فجعل الله بيت المقدس والمسجد الأقصى محور تقديس الأنبياء والأولياء في الماضي..
ومحور أحداث الدنيا في الحاضر.. ومحشر جميع مخلوقات الله يوم المحشر.. وإليه تشد الرحال لزيارته تبركا.. احتل بيت المقدس والمسجد الأقصى الشريف منزلة رفيعة في الإسلام بعد أن تحول إلى إرث الأمة الخاتمة.. فالقدس والمسجد الأقصى يسكنان قلب كل من له قلب من المسلمين. إن مكة والكعبة المشرفة كانتا مقدستين في ملة إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)
فامتد تقديسهما وتكريمهما عند المسلمين..وبيت المقدس والمسجد الأقصى كانا مقدسين في ملة إبراهيم وإسحاق وامتد تقديسهما وتكريمهما إلى يوم القيامة وقد وصف القرآن الكريم أرض بيت المقدس بصفات البركة والطهر والقدسية في آيات متعددة منها قوله تعالى {.. يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم.. } وقوله {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} وقوله {ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين} وقوله {فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين} وعن الإمام بن تيمية أن الخلق والأمر ابتدءا من مكة المكرمة أم القرى فهي أم الخلق، وفيها بدأت الرسالة المحمدية، وجعل الله بيت المقدس وما حوله محشر خلقه، فإلى بيت المقدس يعود جميع الخلق، وهناك يحشر الحلق..
وبيت المقدس منبت الأنبياء من إبراهيم الخليل عليه السلام، ولهذا اجتمعوا هناك لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، فأمهم في المسجد الأقصى، فدل على أنه (صلى الله عليه وسلم) الإمام المعظم.. وكانت صلاته (صلى الله عليه وسلم) بالأنبياء ليلة الإسراء إقراراً بأن الإسلام كلمة الله الأخيرة إلى البشر، أخذت تمامها على يد محمد عليه السلام.. وكانت الصلاة بالمسجد الأقصى دلالةً على أن آخر صبغة للمسجد الأقصى هي الصبغة الإسلامية فالتصق نسب المسجد الأقصى بالأمة الإسلامية التي أم رسولها الكريم سائر الأنبياء.. ولاشك أن في اقتران الإسراء بالنبي (صلى الله عليه وسلم) إلى السماوات العلى بالمسجد الأقصى دليلاً باهراً على مدى ما لهذا البيت من مكانة وقدسية عند الله تعالى ودليل على أن المسجد الأقصى فوق مركز الدنيا وأنه المصعد من الأرض إلى السماء...
- .. وقد ورد عن النبي (عليه الصلاة والسلام) العديد من الأحاديث الشريفة التي تبين لنا مدى ما لبيت المقدس والمسجد الأقصى من منزلة وفضل.. فقال (عليه الصلاة والسلام) "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا"وصلاة في المسجد الأقصى تعادل ثواب خمسمائة صلاة، وقال (عليه الصلاة والسلام) "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يغرهم من خذلهم، ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة"
لمحات تاريخية لمدينة القدس الشريف في الإسلام..
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، صُعد بالنبي إلى السماوات العلى ليلة الإسراء والمعراج، وكان المسجد الأقصى هو المكان الذي صعد منه، حيث اختار الله تعالى بيت المقدس ليعرج النبي عليه والسلام منه إلى السماء، ولو لم يحدث في زمن النبوة إلا ذلك الحدث لكفى بيت المقدس تشريفاً وتقديساً..
إلا أن بيت المقدس كان له نصيب آخر من الأحداث في عهد الرسول (عليه الصلاة والسلام) فبعد أن توطدت دعائم الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، وبعد أن تم فتح مكة المكرمة، تلفتت أنظار الرسول (عليه الصلاة والسلام) صوب بيت المقدس ليطهره من الشرك الروماني.. فبعث إلى ملك بيت المقدس يدعوه إلى الإسلام ولكنه قتل رسول النبي، فاجتمع المسلمون في ثلاثة آلاف مقاتل لقتال الروم وفتح بيت المقدس، واستطاع خالد بن الوليد أن ينسحب بالجيش انسحابا آمناً..
وبعد حجة الوداع قام الرسول (عليه الصلاة والسلام) بإعداد جيشا لقتال الروم في بلاد الشام، واختار لإمرة هذا الجيش أسامة بن زيد، ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء الخليفة أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) فأبى إلا أن ينفذ جيشاً أعده الرسول (صلى الله عليه وسلم) قبل وفاته ولكنه رأى أولاً أن يستفيد من هذا الجيش في القضاء على المرتدين،
وبعد حجة الوداع قام الرسول (عليه الصلاة والسلام) بإعداد جيشا لقتال الروم في بلاد الشام، واختار لإمرة هذا الجيش أسامة بن زيد، ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء الخليفة أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) فأبى إلا أن ينفذ جيشاً أعده الرسول (صلى الله عليه وسلم) قبل وفاته ولكنه رأى أولاً أن يستفيد من هذا الجيش في القضاء على المرتدين،
فلما أتم الله لأبي بكر النصر على المرتدين، توجه نظره بعد ذلك إلى توجيه جيش إسلامي كبير إلى الشام.. فوجه أبا عبيدة بن الجراح إلى حمص، ويزيد بن أبي سفيان إلى دمشق، وعمرو بن العاص إلى فلسطين، وشرحبيل بن حسنة إلى الأردن، وكان من نتائج هذه المعركة فتح عدة مدن من فلسطين منها نابلس وعسقلان وغزة واللد والرملة.. وبهذا مهدت الجيوش الإسلامية في خلافة أبي بكر للزحف نحو بيت المقدس.
الخليفة عمر بن الخطاب يفتح بيت المقدس..
وجه عمر بن الخطاب أبا عبيدة بن الجراح (رضي الله عنه) لفتح بيت المقدس وكان معسكراً في الجابية، ولما وصله رسول عمر قام أبو عبيدة بتوجيه خالد بن الوليد في خمسة آلاف فارس نحو بيت المقدس، ثم أتبعه بخمسة آلاف فارس آخرين بقيادة يزيد بن أبي سفيان، ثم بخمسة آلاف بقيادة شرحبيل بن حسنة، واجتمعت الجيوش كلها ولحق بها أبو عبيدة بن الجراح(رضي الله عنه) وضربوا الحصار حول المدينة المقدسة في أيام برد شديد، حتى استيأس أهل المقدس بعد مرور أربعة أشهر، فطلبوا تسليم المدينة ليضمنوا العهد والأمان منه.
فأجابهم أبو عبيدة وأرسل طالبا إلى الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أن يحضر ليتسلم المدينة، وجاء وفد أبي عبيدة إلى المدينة المنورة وبصحبتهم وفد من النصارى، فسألوا عن أمير المؤمنين ليبلغوه طلب رؤسائهم، فاشتد عجبهم عندما رأوا قائد دولة المسلمين مفترشاً الأرض ينام تحت ظل شجرة يحتمي بها من الحر.
وأجابهم عمر بن الخطاب، وخرج قاصداً بيت المقدس.. ووصلها في شهر رجب في السنة السادسة عشر ة من الهجرة، في شهر الإسراء والمعراج، ليحرر مسرى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من الشرك الصليبي، ودخل عمر بن الخطاب المدينة عن طريق جبل (المكبر) الذي سمي بهذا الاسم لأن عمر بن الخطاب لما أشرف على المدينة المقدسة من فوق الجبل كبر وكبر معه المسلمون..
وصل عمر بن الخطاب إلى القدس ممتطياً بعيراً أحمر، كان يتبادل مع غلامه الركوب عليه، فعندما بلغ الخليفة سور المدينة كان دور الركوب للغلام، فنزل عمر وركب الغلام وعمر بن الخطاب يمسك بلجام البعير،
فلما رآه البطريرك أكبره، وبكى بطريك النصارى وقال: إن دولتكم باقية على الدهر، فدولة الظلم ساعة، ودولة العدل إلى قيام الساعة. ثم طلب عمر بن الخطاب من البطريك أن يدله على مكان (مسجد داود).. فمضى بهم إلى مكان مسجد بيت المقدس حتى وصلوا إليه فقال (رضي الله عنه) الله أكبر، هذا والذي نفسي بيده مسجد داود (عليه السلام) الذي أخبرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه أسري به إليه فمضى عمر نحو مكان المحراب فصلى فيه وقرأ سورة ص، وسجد..
القدس والأقصى تحت عناية الأمويين والعباسيين
وظل المسجد الذي أقامه عمر بن الخطاب أمام الصخرة قائما في عصور الخلفاء الراشدين حتى جاء عصر معاوية بن أبي سفيان فنودي بالبيعة له في مدينة القدس ولكنه اختار مدينة دمشق عاصمة لخلافته،
ثم تولى الخليفة عبد الملك ابن مروان وابنه الوليد عملية إعمار المدينة المقدسة وتجديدها، حتى أصبحت مدينة القدس في عهدهما من أعظم المراكز الإسلامية، فقد أعاد بناء الأسوار المحيطة بالمدينة وأقاما الأبنية والقصور.
ثم تولى عبدالملك بن مروان تشييد مسجد قبة الصخرة، ثم ظلت المدينة المقدسة ومسجدها في صيانة وحفظ تحت جناح الدولة العباسية (132 هـ - 656 هـ) وزاد اهتمام العباسيين بها في عهد أبي جعفر المنصور، فقد أولى المسجد الأقصى عنايته بعد أن تعرضت الأرض المقدسة لزلزال تهدمت بسببه أجزاء من المسجد، فلما وصل الخبر إلى الخليفة وقيل له إن كل ما في بيت المال لا يفي برد المسجد إلى ما كان عليه، أرسل إلى أمرائه وسائر قواده بأن يتولى كل منهم بناء رواق من أروقة المسجد وكان ذلك عام 154 هـ،
وكذلك قام الخليفة العباسي المهدي بإصلاحات في المسجد عام 158 هـ وزاد في طوله، وظل المسجد الأقصى وقبة الصخرة محميين تحت كنف الخلافة العباسية حتى انتهى عصرها عام 656 هـ على يد المغول.
القدس تحت عناية الطولونيين والفاطميين
استمرت القدس في أمان واستقرار تحت الحكم الطولوني منذ تولى الحكم أحمد بن طولون حتى انتهاء عصر الدولة الطولونية ثم الدولة الإخشيدية.. ثم وقعت المدينة تحت حكم الفاطميين حيث احتل القائد جوهر الصقلي فلسطين عام 969 هـ
إلا أن هؤلاء الحكام الفاطميين الذين تبنوا المذهب الشيعي عملوا على تقريب اليهود والنصارى في فلسطين وتزوجوا منهم واتخذوا منهم الوزراء والمستشارين والأطباء..وفي عهد الخليفة الظاهر والمستنصر أبرمت المعاهدات بين الدولة الفاطمية والدولة الروسية النصرانية وأدى هذا إلى رواج وانتعاش الوجود النصراني في مدينة القدس، وفتح ذلك أعين النصارى على الاستيلاء على هذه المدينة فيما بعد.. فكانت الحروب الصليبية.
المسجد الأقصى الشريف بالقدس الشريف بفلسطين
وهو ثالث المساجد التي تشد إليها الرحال ويقع المسجد الأقصى داخل حرم مقدس به عدة مباني من أهمها مسجد قبة الصخرة المشرفة، ويقع الحرم المقدس بالجبهة الجنوبية الشرقية من مدينة القدس الحالية ومطلاً على وادي الأرز، ويشكل الحرم القدسي مساحة مستطيلة في غير انتظام يبلغ ضلعها الشمالي 310 متراً،
ولمدينة القدس أسوار حجرية قديمة بها عدة أبواب مبنية باستحكامات عسكرية قوية، منها باب الجهة الشمالية الشرقية من المدينة ويسمى (باب سيتي مريم) وبنفس الجهة بابان آخران سمى أحدهما باب الظاهر نسبة إلى الظاهر بيبرس البندقداري والباب الآخر اسمه (باب محمد) وبالجهة الغربية من المدينة توجد بوابة ضخمة تسمى باب الخليل، وبالجهة الشرقية بوابة تسمى (التوبة) تطل على وادي مريم.. كما أن للحرم القدسي نفسه أبواباً خارجية موزعة على أسواره..
والحرم القدسي مقدس من جميع الديانات التي سبقت الإسلام، فبانيه الأول هو سيدنا (داود عليه السلام) وأكمل عمارته سيدنا سليمان عليه السلام) وعلى أرضه خاطب سيدنا يعقوب ربه من على الصخرة المقدسة الذي أطلق عليها (باب السماء).. وعلى أرض الصخرة كان المحراب الذي تتعبد فيه السيدة العذراء مريم {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا} (آل عمران 37)، وعلى أرض الحرم الشريف دعا المسيح (عليه السلام) على معذبيه بالخراب، وعلى أرض الحرم القدسي الشريف صلى سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) بالأنبياء ليلة الإسراء والمعراج..
السبب في تسمية المسجد الأقصى بهذا الاسم
وقد سمى المسجد الأقصى بهذا الاسم، لأنه أبعد المساجد التي تزار لأهل الحجاز، وسمى أيضًا مسجد (إيليا) أي بيت الله المقدس، وسمى بيت المقدس أي المكان الطاهر، وسمى أيضًا أورشليم أي بيت الرب..
المنشئ الأول للمسجد الأقصى الشريف
باني المسجد الأقصى الأول هو سيدنا داود (عليه السلام) في السنة الحادية عشر من ملكه (1058 ق. م) ثم أكمل البناء ابنه سيدنا سليمان عليه السلام عام (1050 ق. م) ويذكر ابن الأثير أن السبب في بناء هذا المسجد أن طاعونا تفشى في الناس زمن سيدنا داود (عليه السلام) فخرج الناس إلى موضع بيت المقدس.
ألم بهم، فلما استجاب الله لدعائه اتخذ هذا الموضع مسجداً.. ولقد ضرب الملك البابلي (نبوخذ نصر) هذا المسجد عام 559 قبل الميلاد، وظل المسجد خراباً إلى أن بناه ملك من ملوك الفرس وهو الملك (كوشك بن أحوريش) بعد ثلاثين عاماً من تخريبه أي عام 529 ق. م. ثم تغلبت الغساسنة وهم من العرب الذين هاجروا من الجنوب بعد خراب سد مأرب، وسكنوا حدود الشام، وظلت منطقة الحرم القدسي في أيديهم إلى أن تخربت تماما وأهمل شأنها..
المسجد الأقصى في عهد عمر بن الخطاب.. وعلى مر الزمان
أنشأ الخليفة عمر بن الخطاب بعد فتح مدينة القدس عام 15 هـ مسجداً في منطقة الحرم القدسي، موقعه إلى جنوب الصخرة المقدسة.. وكان بناءً متواضعاً تم بناؤه من عروق خشبية موضوعة على الجدران مباشرة دون عقود، ويقال أن هذا المسجد كان يتسع لثلاثة آلاف مصلي.. ثم جددوا عمارة المسجد الأقصى في العهد الأموي في خلافة عبد الملك بن مروان وابنه الوليد بن عبد الملك..
وكان المسجد الأقصى في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان ومن بعده ابنه الوليد يتكون من مساحة مستطيلة بنيت بأحجار صغيرة غلفت بوزرات من الرخام، وكسيت المناطق العلوية منها بالفسيفساء، وقد أمكن تحديد عرض المسجد الأقصى بمقدار 50.8 متر، أما طول المسجد الأقصى فلم يستدل عليه بسبب التوسعات التي قام بها الخليفة المهدي عام 163 هـ،
وكان يتكون المسجد في العهد الأموي من مجاز أوسط يعلوه قبة عالية من الخشب المصفح ببلاطات من الرصاص وستة أروقة، وكان للمسجد سبعة أبواب جهة الشمال وقال المؤرخون إن إعادة بناء المسجد الأقصى في عهد عبد الملك بن مروان تكلف خراج سعد عدة سبع سنوات.. ولأن منطقة الشام منطقة باردة جداً في الشتاء ويسقط عليها الثلوج والأمطار الغزيرة، نجد أن المعمار لم يقم بعمل صحن مكشوف يتوسط المسجد، فنجد المسجد كله مسقوفا بسقف مائل حتى لا تتراكم عليه الأمطار والثلوج وتفسده.. وفي أواخر العهد الأموي عام 130 هـ حدث زلزال سقط بسببه شرقي المسجد وغربيه.. وفي عهد الدولة العباسية تهدم جزء من المسجد وسقطت قبته ، وفي عام 163 هـ حدثت زلزلة أخرى أدت إلى تهدم المسجد الأقصى، فقام الخليفة المهدي العباسي بإعادة بنائه من جديد وذهب بنفسه إلى بيت المقدس لافتتاح المسجد الأقصى،
وأصبح المسجد الأقصى يبلغ 102 متراً في الطول، و60 متراً في العرض، وأصبح المسجد يتكون من خمسة عشر رواقا تسير عقودها عموديا على جدار القبلة، وللمسجد أسقف خشبية مغطاة من الخارج ببلاطات من الرصاص، والرواق الأوسط يغطيه سقف جمالوني (مائل) يرتفع عن بقية أسقف المسجد وينتهي أمام المحراب بقبة عالية من الخشب مغطاة ببلاط من الرصاص، وكان للمسجد خمسة عشر باباً..
وكانت جدران المسجد الداخلية مغطاة بالفسيفساء لا تزال بقاياها فوق صنية المحراب الرئيسي.. وظل المسجد الأقصى تحت رعاية الدولة العباسية حتى انتهت على يد المغول عام 656 هـ.
وانتقلت رعاية المسجد الأقصى إلى الدولة الفاطمية، وفي عام 406 هـ تعرض المسجد الأقصى وقبة الصخرة لزلزال شديد تهدمت على إثره أجزاء كبيرة منها، وكان ذلك في عهد الخليفة الحاكم بأمر الله، إلا أن أعمال الترميم والإصلاح لم تتم إلا في عهد الخليفة الظاهر ومن بعده الخليفة المستنصر لدين الله عام 448 هـ.
ثم احتل الصليبيون المسجد الأقصى الشريف عام 493 هـ / 1099م، وذالك في عهد الخليفة المستعلي الفاطمي، وظلوا بها لمدة تسعين عاماً أراقوا فيها الدماء وهتكوا الأعراض، واتخذ الملك جود فري الصليبي من مدينة القدس قاعدة حربية لقواته، وحول المسجد الأقصى إلى كنيسة ووضع على قبته صليباً كبيراً بدلا من الهلال واستخدم أقبية المسجد إسطبلات للدواب.
استعادة الأقصى على يد صلاح الدين الأيوبي
وفي عام 583 هـ استطاع السلطان صلاح الدين الأيوبي أن يخلص مدينة القدس من أيدي الصليبين ويرجعها إلى حوزة الدولة الإسلامية، وكان الصليبيون قد عبثوا بالمسجد الأقصى وبنوا منبراً ومذبحاً فوق الصخرة كما أنهم حجبوا جدرانه الأصلية وبنوا عليها حوائط جديدة، فأمر بهدم هذه الحوائط وحمل معه إلى المسجد العديد من المصاحف وأوقف عليه أوقافاً لإصلاحه وترميمه، وسجل هذه الأعمال على المحراب الأصلي للمسجد.
المنبر: كان السلطان نور الدين محمود قد بنى منبراً للمسجد الأقصى، لكن المنية وافته قبل أن يحضره إلى المسجد، فلما انتصر صلاح الدين الأيوبي وعادت القدس للدولة الإسلامية، أحضر صلاح الدين هذا المنبر من حلب ووضعه في مكانه إلى جدار المحراب، وعلى هذا المنبر نص تأسيسي باسم المنشئ نور الدين محمود، ومن المؤسف أن اليهود قاموا بإحراق هذا المنبر عام 1969م. أما في العصرين المملوكي والعثماني فقد توالت أعمال الإصلاح والتجديدات على المسجد الأقصى ولكنهم لم يغيروا من معالمه.
ومن ذلك ما قام به السلطان الظاهر بيبرس البندقداري حينما زار القدس عام 661 هـ وأمر بترميم كل ما تهدم من حرم المسجد وأوقف عليه خاناً وعقارات يصرف عليه من دخلها، كما اهتم السلطان قايتباي المحمودي بالمسجد الأقصى وبنى بالحرم القدسي سبيلاً لا يزال موجوداً للآن بحالة جيدة كما أنشأ مدرسة لتدريس الفقه الإسلامي.. وفي عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون عام 729 هـ تم وضع الرخام في صدر المسجد على يد الأمير ناصر الدين ناظر الحرم القدسي، ثم جددت أبواب المسجد الأقصى الخشبية عام 778 هـ على يد السلطان شعبان والسلطان حسن، وكان آخر تجديد للمسجد الأقصى في العصر المملوكي على يد السلطان الغوري..